بعد مرور بضعة أشهر فقط على تشكيلها في بداية هذا العام، بدأت الحكومة العراقية الجديدة حملة مثيرة للقلق لتنظيم المحتوى الإلكتروني وتقييد ما تصفه بـ«المحتوى الفاحش أو غير الأخلاقي»، مما أثار مخاوف كبيرة بين النشطاء ومنظمات حقوق الإنسان. وقد وُجهت للحملة انتقادات واسعة بسبب احتمال تأثيرها السلبي على حرية التعبير والوصول إلى المعلومات.
يعتقد كثيرون أن الإجراءات التي اتخذها رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لمراقبة المحتوى الفاحش على وسائل التواصل الاجتماعي هي محاولة متعمدة لتحويل أنظار الرأي العام عن القضايا الملحة التي يواجهها البلد، مثل تدهور الأوضاع الاقتصادية، والتضخم، وعدم استقرار العملة العراقية. ويُنظر إلى هذه السياسة باعتبارها أسلوبًا لصرف انتباه المواطنين عن القضايا الجوهرية التي تمس حياتهم اليومية نحو قضية أقل أهمية.
منذ يناير، أنشأت وزارة الداخلية لجنة متخصصة للإشراف على المحتوى الإلكتروني وتنظيمه بما يتوافق مع ما تعتبره لائقًا للاستهلاك العام. وتأتي هذه الخطوة ضمن جهود الحكومة لتوسيع حملتها ضد الناشطين والمؤثرين وصنّاع المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي الذين ينشرون مواد تُعد من وجهة نظرها مسيئة للقيم الاجتماعية والثقافية في العراق. وقد أدت هذه الحملة إلى اعتقال واحتجاز العديد من الأفراد الذين عبّروا عن آرائهم بشكل صريح وانتقدوا سياسات الحكومة.
في 3 آذار/مارس 2023، أصدرت منظمة العفو الدولية بيانًا مشتركًا بعنوان «على السلطات العراقية وقف الحملة المروعة ضد حرية التعبير». ووفقًا لبيان صادر عن وزارة الداخلية في 13 شباط/فبراير، تم تلقي أكثر من 96 ألف شكوى على منصة «بلّغ» — وهي المنصة المخصصة للإبلاغ عن «المحتوى الفاحش». وتشير التقارير إلى أن قاضي محكمة الكرخ أوضح أن الأفراد الذين تمت مقاضاتهم وُجهت إليهم تهم بموجب المادة 403 من قانون العقوبات العراقي، التي تُجرّم نشر المواد التي تُعتبر «مخالفة للآداب أو النزاهة العامة». وتفيد مصادر بأن بعض هؤلاء الأفراد كانوا معروفين بإنتاج محتوى موسيقي أو كوميدي. كما كشف القاضي أن الإجراءات القانونية بدأت بناءً على شكاوى قُدمت إلى لجنة جديدة أنشأتها وزارة الداخلية لمراقبة المحتوى الإلكتروني «الفاحش أو غير الأخلاقي»، بالإضافة إلى الشكاوى التي وردت عبر منصة بلّغ.
غموض التشريعات
تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية في هذه اللائحة في غموضها واتساع نطاقها. إذ لا يوضح القانون بوضوح ما يُقصد بـ«المحتوى الضار»، مما يترك مساحة كبيرة للتأويل وسوء استخدام السلطة من قبل الجهات المسؤولة عن تطبيقه. وتفتقر القيود المفروضة على المحتوى الإلكتروني إلى الشفافية، وغالبًا ما تُستخدم لخدمة أجندة الحكومة، بما يتعارض مع المبادئ المنصوص عليها في الدستور العراقي. ويثير هذا الغموض القلق نظرًا إلى العقوبات القاسية المفروضة على من يُزعم أنهم خالفوا أحكام القانون، والتي تشمل الغرامات والسجن، مما قد يُحدث تأثيرًا رادعًا ضد حرية التعبير، خصوصًا بالنسبة للصحفيين والنشطاء الذين يعتمدون على المنصات الإلكترونية للتعبير عن آرائهم المعارضة.
أعربت عدة منظمات عن مخاوفها من أن اللجنة والمنصة التابعتين لوزارة الداخلية قد تُستخدمان لقمع التعبير السلمي المشروع بسبب اتساع صلاحياتهما. وتخشى هذه المنظمات من أن يبدأ المواطنون العراقيون بممارسة الرقابة الذاتية على آرائهم عبر الإنترنت خوفًا من الملاحقة القانونية.
بموجب القوانين الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها العراق، تُعد حرية التعبير حقًا أساسيًا يشمل حتى الخطاب المسيء أو المثير للجدل. ومع أن بعض القيود قد تكون مبررة، فإنها يجب أن تستوفي شروط الشرعية والضرورة والتناسب، وأن تكون محددة وواضحة وتستجيب لحاجة اجتماعية ملحة، وألا تتجاوز الحد الأدنى اللازم. أما المصطلحات الغامضة والموسعة مثل «انتهاك الآداب العامة» أو «المساس بالنزاهة العامة»، فهي لا تستوفي هذه المعايير وتترك المجال مفتوحًا للاستخدام التعسفي ولـ قمع المعارضة السلمية.
الرقابة وقمع الأصوات المعارضة
يثير هذا التنظيم أيضًا مخاوف جدية بشأن احتمال توسع الرقابة وقمع حرية التعبير على الإنترنت. وغالبًا ما تتعارض مثل هذه السياسات مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تحمي حرية التعبير وحق الجمهور في الوصول إلى المعلومات. ومن المؤسف أن السياسات الرقابية تتأثر في كثير من الأحيان بالمصالح السياسية، مما يهدد القيم الديمقراطية.
وتدافع الحكومة العراقية عن حملتها باعتبارها ضرورية لمحاربة المحتوى الضار على الإنترنت، إلا أن المنتقدين يرون أن نصوص القانون فضفاضة وغامضة للغاية، ما قد يؤدي إلى إسكات الآراء المعارضة المشروعة واستهداف الصحفيين والنشطاء وحتى الأقليات.
وقد يؤثر هذا التنظيم سلبًا أيضًا على تطور المجتمع المدني في العراق. فقد لعب الإنترنت دورًا محوريًا في تعزيز المشاركة المدنية في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية أو خارجة من الصراعات. إلا أن هذه اللوائح قد تُخمد النشاط المدني وتُقيد مساءلة الحكومة، مما يحد من نمو مجتمع مدني حيوي ومستقل.
النتيجة
إن مشكلات هذا التنظيم العراقي ليست فريدة من نوعها، فالكثير من الدول حاولت تنظيم المحتوى الإلكتروني عبر قوانين غامضة وموسعة أثارت المخاوف نفسها بشأن قمع حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات. وغالبًا ما تعكس هذه القوانين نقص الفهم للتحديات المعقدة التي تفرضها البيئة الرقمية وأهمية حماية حرية الكلمة.
إن تقييد حرية التعبير والرأي على وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، مثل خنق الإبداع، وتقييد التنوع الفكري، وتقويض المبادئ الديمقراطية — وهي بالضبط الحالة الراهنة في العراق. ورغم أهمية حماية الدولة لحقوق مواطنيها الأساسية، إلا أن الحكومة العراقية تبدو وكأنها تتراجع خطوة أخرى إلى الوراء في مسار حماية الحريات العامة.