تحول العراق في العهد الجديد الى دويلات وطوائف التي ابتلعت الدولة ومؤسساتها الصغيرة والكبيرة وان الدولة المركزية اصبحت بلا هيكل. فأصبحت الدولة مقسمة الى دويلات مستقلة ومتحكمة بالاوضاع العامة وفرض شريعتها الدموية واجراءاتها التسلطية الجائرة ضد الوطن والمواطن. هذا التبعثر في هدم الدولة العراقية كان نتيجة بروز دويلات المليشيات المسلحة الموالية الى ايران او الموالية لمرجعية النجف بالاضافة الى اقليم كردستان. وان العراق اصبح يحتوي على اكثر من 70 مليشيا بمعنى ان العراق تشرذم الى اكثر من 70 دويلة مليشياوية. ان كل مليشيا تملك اجهزة ومؤسسات تتحكم بكل شيء وتملك سجون سرية خاصة بها وان عمليات القتل والتصفية الجسدية والاختطاف والتهديد وإحراق المنازل والتهجير.. مفردات يحفل بها سجل مليشيات الحشد الشعبي في العراق.
أن إضعاف الدولة وإرهاب المجتمع وتصفية الخصوم وإلغاء الأخر سببا رئيسيا لإنشاء المعتقلات السرية نلاحظ العدد المرعب من الاغتيالات والاختطافات التي ذهب ضحيتها أعداد مرعبة من الأدباء والصحفيين والإعلاميين والناشطين في حقوق الانسان والمتظاهرين السلميين فيه محاكة للأسلوب وحشي البربري الذي تربع على عرشه خبراء حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني الذين نفذوا جرائم الاختطاف والقتل بأيادي محلية عقائدية أو مأجورة. ان السجون سرية تنتشر في بغداد وباقي محافظات العراق وتحتضن هذه السجون الآلاف من المعتقلين العراقيين والأجانب وأفرادا من المعارضة الإيرانية.
يعتبر سجن مطار المثنى العسكري الذي يقع وسط مدينة بغداد أحد السجون السرية التابع لسيطرة حزب الدعوة والذي يحتضن إلى جانب السجن السري أحد مقرات الحزب وقاعات للاجتماعات ومقر إحدى الفضائيات التابعة للدعوة التي تمولها إيران. ان سجن المزرعة التابع لشبل الزيدي زعيم مليشيا الامام علي وهي من المليشيات الولائية التابعة لايران الذي يقع قرب منطقة الزعفرانية الواقعة على المدخل الجنوبي للعاصمة العراقية بغداد. الموقع الاخر هو مايعرف بسجن الحشد وهو كان مقر للشرطة الاتحادية والان تسيطر عليه المليشيات الحشد الشعبي الارهابي ويقع في منطقة صدر القناة في بغداد ويملك الحشد الشعبي سجن اخر يعرف بدائرة امن الحشد في الجادرية ناحية الرصافة في بغداد وهي المنطقة التي سيطرة عليها المليشيات التابعة لايران. وحسب المصادر الاعلامية يتم استخدام كافة أنواع التعذيب ضد المعتقلين في سجون المليشيات، تبدأ بالضرب والخنق والصعق بالتيار الكهربائي في كافة أنحاء الجسم والحرق ونزع الأظافر والأسنان ومحاكاة الغرق، بهدف انتزاع اعترافات او لانتزاع تعهدات.
ولعل من أبرز السجون السرية الأخرى التابعة لمليشيات الحشد، تلك السجون التي تقع في بلدة جرف الصخر التابعة لمحافظة بابل جنوب بغداد التي تحتضن قواعد عسكرية ومخازن صواريخ وأسلحة ومراكز استخباراتية خاصة بالحرس الثوري وجناحه الخارجي فيلق القدس ومليشيا كتائب حزب الله العراق. وحولت مليشيات الحشد بلدة جرف الصخر الاستراتيجية نهاية عام ٢٠١٤ إلى منطقة عسكرية بعد تنفيذ عمليات إبادة جماعية ضد سكانها من العرب السنة وتهجير من تبقى منهم بحجة الحرب ضد داعش. ويقبع في سجن جرف الصخر المئات من المدنيين من منطقة الكرخ في بغداد ومناطق زوبع والكراغول والجميلات، والبوعيسى، والغرير، والبوحمدان وهذه المناطق محاذية لمدينة بغداد.
ومنذ بدأ المظاهرات في تشرين الثاني عام 2019، قامت هيئة الحشد الشعبي بوضع منتسبيها في حالة انذار قصوى وفتحت مقرات سرّيّة جديدة فضلا عن المقرات السرّية في منطقة اللطيفية وتحديدا في منشأة القعقاع سابقا، وهذا المقر هو عبارة عن مجموعة من السجون تعمل على حراستها قوات تسمى روح الله والمسؤول عنها شخص يدعى أبو علي الجويبراوي وهو أحد عناصر منظمة بدر ومقرب من هادي العامري، ويشغل منصب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد. وتشير المصادر ان مليشيات بدر قامت بنقل عدد كبير من المتظاهرين الذين تم اعتقالهم الى سجن اللطيفية.
وتحتضن منطقة سهل نينوى شرق الموصل هي الأخرى سجونا سرية تابعة للواء ٣٠ من الحشد الشعبي المعروف بلواء الشبك ومليشيا عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله العراق. وتحتجز هذه المليشيات في سجون سهل نينوى المئات من المختطفين الذين تختطفهم يوميا في محافظة نينوى وأطرافها، ويشرف ضباط من “فيلق القدس” والاطلاعات الإيرانية إلى جانب مليشيات الحشد على هذه السجون التي تقع ضمن مجموعة من القواعد العسكرية ومخازن الصواريخ الإيرانية في هذه المنطقة. وسجن البو مصطفى والمحطّة الحرارية، وغالبيّة المعتقلين من أهالي الموصل الذين تم اعتقالهم في مدينة الرطبة ومنطقة الرزازة في الأنبار، وهذا بالاضافة الى السجون التابعة لميليشيا سرايا السلام المنتشرة في منطقة السدة في مدينة الصدر وشارع فلسطين ومناطق اخرى متفرقة ببغداد، بالاضافة الى سجن سري داخل مجمع الشقق السكنية مقابل ضريح “سيد محمد” في قضاء بلد شمال بغداد.
تصريحات مصطفى الكاظمي الاخيرة بشأن اطلاق سراح جميع الموقوفين ما هي الا “دعاية إعلامية” لامتصاص غضب الشارع العراقي، والدليل على ذلك هو رد مجلس القضاء الأعلى على الكاظمي في 13 مايو/ أيار 2020 بعدم وجود أي موقوف أو محكوم من المتظاهرين السلميين، أثار من جديد قضية السجون السرية التي يعتقد أن الآلاف من المختطفين العراقيين المحتجزين فيها التي تدار من قبل مليشيات مسلحة خارج عن سلطة الدولة. وان التقارير الصادرة عن المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب تشير الى ان عدد المتظاهرين المعتقلين في بغداد ومدن الجنوب منذ الأول من أكتوبر/ تشرين الأول لسنة 2019 وحتى الآن بلغ أكثر من 25 ألف معتقل. كما حذر مدير “المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب” من خطورة هذه السجون وما يجري بداخلها من إرهاب وتعذيب، مطالبا بضرورة التعامل معها وفق القانون الدولي الخاص ووفق المحكمة الجنائية الدولية وآليات حقوق الإنسان الدولية بما يضمن حماية أبناء الشعب العراقي من خطر المليشيات ومن استهداف حياتهم بشكل مستمر.