يقوم تعديل مقترح على قانون الأحوال الشخصية العراقي بتقنين الزواج من الأطفال بدءًا من سن تسع سنوات، مما يشكل تهديدًا خطيرًا لحقوق النساء والأطفال في المنطقة. كما يهدد هذا التعديل النظام القانوني في العراق من خلال نقل السلطة من الحكومة إلى المجالس الدينية. وإذا أُقرّ، فإن هذا التعديل سيؤثر سلبًا على مكانة العراق في المجتمع الدولي.
خطوة أثارت قلقًا دوليًا
في خطوة أشعلت الإنذار الدولي، قدّم البرلمان العراقي في 4 أغسطس 2024 تعديلًا مثيرًا للجدل يسمح بخفض سن الزواج إلى تسع سنوات. وقد أدان المراقبون هذا المشروع على نطاق واسع باعتباره انتهاكًا لحقوق النساء والأطفال، ونقلًا للسلطة في مسائل الزواج والميراث من الدولة إلى المجالس الدينية.
وقد انتقدت منظمة هيومن رايتس ووتش هذا الإجراء بشدة، محذرة من أنه يمثل تآكلًا كبيرًا في حماية حقوق الأطفال ضمن القانون الوطني. ويتطلب المسار التشريعي لهذا التعديل إجراء قراءات إضافية ونقاش برلماني قبل التصويت النهائي على اعتماده، إلا أن غالبية البرلمان تدعم هذه التعديلات، ما يجعل القانون معرضًا للتمرير رغم الاحتجاجات والتحذيرات بشأن تأثيره على المجتمع.
حقوق الإنسان الأساسية على المحك
تترتب على هذا التعديل تبعات عميقة وطويلة الأمد على النسيج الاجتماعي العراقي. إذا أُقرّ، فإن القانون سيهدد حماية الفئات الأكثر ضعفًا من الفتيات الصغيرات ويزيد من الفجوة بين الجنسين. الزواج المبكر، وهو بالفعل قضية مستمرة في المجتمع العراقي، قد يصبح أكثر انتشارًا تحت النظام المقترح. وتشمل الآثار النفسية والجسدية للزواج المبكر انقطاع التعليم، وزيادة خطر العنف المنزلي، والاعتداء الجنسي، والحمل المبكر، ووفيات الأمهات.
سيساوي هذا القانون بين الزواج القانوني والزواج غير المسجل ويُلغي العقوبات على رجال الدين أو البالغين المتورطين في حالات الزواج القاصر. وتحذر هيومن رايتس من أن تطبيع الزواج المبكر قد ينعكس سلبًا على حقوق أخرى مثل الميراث وحضانة الأطفال. كما يقوض التشريع الحماية القائمة للنساء المطلقات بشأن السكن والدعم المالي.
رغم أن الانتهاكات موجودة بالفعل، خصوصًا في المجتمعات المحافظة حيث تعتبر الممارسة أمرًا مألوفًا ثقافيًا، فإن القانون الوطني الحالي الذي يحدد الحد الأدنى للزواج بـ18 عامًا كان يضمن على الأقل إطارًا قانونيًا موحدًا. من خلال السماح للمجالس الطائفية والدينية بتطبيق تفسيرات أكثر تقييدًا دون رقابة، يهدد التعديل المقترح بزيادة التفاوتات القائمة، كما ستتأثر قوانين الميراث وغيرها من الأنظمة القانونية تحت الحكم الطائفي.
نظام قانوني مهدد
تمتد تداعيات هذا التغيير التشريعي إلى ما هو أبعد من انتهاكات حقوق الأطفال. فبإضعاف دور الدولة في حماية الحقوق الشخصية، يشير التعديل إلى تراجع عن الحكم المدني العلماني واحتضان الطائفية، مما يزيد من تشظي المجتمع العراقي الذي يعاني بالفعل من الانقسامات الإثنية والدينية العميقة.
منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حلّ هيمنة رجال الدين الشيعة تدريجيًا محل الأطر العلمانية التي كانت توفر حماية قانونية، خصوصًا تلك المنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية لعام 1959. بينما كان النظام الديكتاتوري السابق معروفًا بالسلطوية والحروب المدمرة، إلا أنه paradoxically حافظ على بعض الحقوق للنساء، حيث ضمن نظامه القانوني المركزي حقوق النساء في الزواج والميراث وقانون الأسرة. في المقابل، أدت النفوذ المتزايد للأيديولوجيات الطائفية إلى تقويض هذه الحمايات بشكل منهجي، مهددة بإلغاء عقود من التقدم.
لطالما شكّل قانون الأحوال الشخصية على مدى سبعة عقود حصنًا مهمًا ضد التمييز الجنسي واستغلال الأطفال. عند صدوره في 1959، كان يعتبر أحد أكثر قوانين الأسرة تقدمية في الشرق الأوسط، كما يتضمن أحكامًا تسمح للسلطات الدينية بإتمام الزواج من سن 15 بشرط موافقة والد الفتاة. ورغم ثغراته، وحد القانون الصلاحيات القانونية المتعلقة بالزواج والطلاق والحضانة والميراث ضمن إطار موحد، مما قلل من تأثير التفسيرات الطائفية وعزز العدالة بين النساء عبر المجتمعات الدينية والعرقية المختلفة.
مخاطر التعديل المقترح
يهدد التعديل المقترح هذه الإنجازات، من خلال تمكين الولاة الذكور والسلطات الدينية من تطبيق مبادئهم العقائدية الخاصة. ويشير المعارضون إلى أن هذا التجزئة القانونية يفتح الباب لممارسات تتناقض مع التزامات العراق الدولية، بما في ذلك اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW).
كما يهدد التعديل مكانة العراق الدولية ويزيد من انتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة. فالعراق كطرف في العديد من المعاهدات الدولية، بما في ذلك العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (ICCPR)، التزم بمبادئ المساواة وعدم التمييز. وتمرير هذا التعديل سيضع العراق في خرق مباشر لهذه الالتزامات، مما يدعو المجتمع الدولي للغضب والإدانة ويهدد المساعدات الخارجية.
الطريق إلى الأمام
مع تقدم التعديل في العملية التشريعية، تزداد احتمالية تمريره. يقوده الإطار التنسيقي الشيعي (CF)، وهو تحرك سياسي استراتيجي يهدف إلى الاستجابة للقاعد المحافظة. وبصفته صاحب الأغلبية البرلمانية، يتمتع الإطار بنفوذ كبير على مسار التشريع، مما يمكّنه من دعم سلطات دينية مفضلة للفصائل المحافظة.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل الأصوات المعارضة. فقد قوبل التعديل بمقاومة واسعة من منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والنشطاء، الذين يرفعون صوت المتضررين لضمان بقاء آثار التعديل في دائرة الرأي العام. وقد كانت ناشطات حقوق النساء أبرز المتحدثين، بتنظيم احتجاجات وحملات توعية للفت الانتباه إلى الطبيعة التراجعية للتعديل. ونددت ناشطات بارزات، مثل ينار محمد من منظمة حرية المرأة في العراق، بالمشروع واعتبرنه خيانة لأكثر الفئات ضعفًا.
كما انضمت المنظمات الدولية إلى قائمة الإدانة، حيث شددت على ضرورة رفض هذا التعديل باعتباره سابقة خطيرة قد تمحو عقودًا من التقدم في حقوق النساء. وتعمل الشبكات الدولية لحقوق الإنسان على ممارسة الضغط على الحكومة العراقية لضمان إصلاحات تشريعية تعزز حقوق الإنسان بدلًا من تقويضها.
يقف العراق عند مفترق طرق حاسم. فالتعديل المقترح يمثل أكثر من مجرد تغيير قانوني؛ إنه فشل لنظام العدالة وحقوق الإنسان. تمريره يعني التخلي عن الفئات الأكثر ضعفًا لمصائر الحكم الطائفي.