بطولة كأس الخليج والقيصر

في بطولة كأس العالم الاخيرة في قطر وجه الرئيس الفرنسي ماكرون دعوة لزين الدين زيدان اسطورة كرة القدم الفرنسية لحضور النهائي بين المنتخب الفرنسي والمنتخب الأرجنتيني، وكان رد زيدان هو ان اعتذر عن الحضور رفض لأسباب غير معلومة. لا اعلم لماذا لم يتهم الفرنسيون زيدان بخيانة فرنسا! لما لا يتعلم الفرنسيون من العراقيين كيفية اهانة رموزهم الثقافية والرياضية والفنية! لماذا لم يخرج الاعلام الفرنسي ويتهم زيدان بانه طلب 5 مليون يورو وطائرة خاصة لنقله الى الدوحة! لا اعلم لما لم تقم النخبة الفرنسية بشّر عرض زيدان على الحبل! بل على العكس، عندما اقدم رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم على التهجم على زيدان قامت فرنسا ولم تقعد دفاعا عن معشوقها حتى قدم رئيس الاتحاد الاعتذار وخرج اللاعب كليان مبابي ليقول زيدان هو فرنسا احترموا اساطيرنا.

اما في العراق، نسيّ الشعب كل شيء وامسك برقبة مطرب ومارس عليه هوايته المفضلة (تلفيق التُهم) كانت المطالبات الفيسبوكية والتويترية تتراوح بين دعوات لمقاطعة القيصر (كاظم الساهر) وبين المطالبة بسحب جنسيته العراقية. ابناء الشعب وعلى مواقع “التكاذب الاجتماعي” قالوا بان كاظم الساهر نسي فضل العراق عليه وفي نفس الجملة عايروه بإهانات ابن النظام السابق، فصرنا في حيرة لا نعلم هل للعراق فضل على الرجل ام اهانة؟! من الأمور المضحكة مجموعة التناقضات الممتعة التي تظهر في كل جدّل في الشارع العراقي، كـ رؤية رجال دين يعاتبون الساهر لرفضة دعوة الدولة العراقية “للغناء”! 

وهذا هو نفس الشارع الذي كان يعاتب الساهر على غنائه في المناسبات الدينية (وما اكثرها) ووصفه بأبشع العبارات لعدم احترامه لحزهم العميق على مناسباتهم الدينية السادية والتي هي عبارة عن لطم وشتم وخرافات، رغم ان الرجل كان يغني في اوروبا وليس في كربلاء او النجف. طوال الشهر المنصرم، لم يكن الترند في العراق رياضيا، ولم يخض احد في الامور الفنية للمنتخب ولم نناقش قصة استعدادات البصرة الفعلية لبطول كأس الخليج. كل الحديث كان موجه بتركيز شديد الغرابة ضد شخص واحد يدعى كاظم الساهر، رغم ان الساهر اعتذر من اليوم الاول وابلغ المنظمين للحدث الكروي بذلك، الا ان الاتحاد العراقي لكرة القدم والمحافظ والحكومة ظلوا يشهرون بالساهر حتى اخر لحظة بطريقة مثيرة للشكوك.

رؤية الشارع العراقي المتناقض في حفل افتتاح البطولة الكروية يرحب ويَصيح بأعلى صوت ترحيبا برئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب تُشعرك بالعار الحقيقي. الغريب بالأمر ان الشارع العراقي يعرف تمتما ان هذه الطبقة السياسية الحاكمة هي عبارة عن طبقة طائفية وعميلة وهذا بالإضافة الى انهم عبارة عن شرذمة من المرتزقة والقتلة والسراق. وان وحده من اكثر التعليقات المتداولة كانت “هو شقدم كاظم الساهر للعراق”!؟ هل وظيفة المطرب تقديم خدمات للدولة! ام هي وظيفة ترهيب الناس وسرقة قوت الشعب، أليست الخدمة العامة هي من وظائف الحكومة!؟ هذا اذا فرضنا جدلا ان للعراق فضل على الرجُل! فالكل يعلم ان بيروت والقاهرة وتونس والشاعر نزار قباني هم اسباب انتشار كاظم وهم من يستحقون شكر القيصر لهم على افضالهم. وان وظيفة الفنان هو فقط الجانب المعنوي والترفيهي والذي قدمه الساهر بإخلاص وحب على مدار 40 عاماً من ذكر اسم البلد في كل محافل الكوكب. الرجل الذي قدم قصيدة “تذكر” في عز ايام الحصار وقتَ كان جيل الالفين الذي يندد في التعليقات الفيسبوكية والتويترية مجرد فكرة في رؤوس ابائهم، من عاش تسعينات القرن المنصرم عليه الرجوع بذاكرته ليبحث في مذكرات هذا العقد من تاريخ العراقيين الذي كان فيه الشعب يعاني من الداخل والخارج، وكيف كانت مفردة “عراقي” محظورة في الشرق الأوسط ولم يكسر الحظر الا الساهر وبأرقى طريقة وبأعذب الالحان. يبقى السؤال من الذي قاد حملة التقسيط الموجهة ضد كاظم الساهر؟ وماذا اراد ان يُخفي بتشتيت انتباه الرأي العالم لقضية ثانوية كهذه! كم صرفت محافظة البصرة على تنظيم بطولة كأس الخليج؟! هل صحيح ان حفل الافتتاح فقط كلف الخزينة 10 مليون دولار؟! كم كانت المبالغ التي تم صرفها على جدار العزل حول العشوائيات الموجودة في البصر؟! الم يكن من الاجدر صرفها على المساكين ممن يقبعون بهذه الاحياء البائسة بدل استخدامها في اخفائهم وكأنهم عار او خطيئة؟! اخشى ما اخشاه ان نستيقظ بعد حالة السُكر بالمنجز الوهمي هذا، لنكتشف ملفات فساد كتلك التي فاحت رائحتها بعد استضافة بغداد للقمة العربية من فواتير خيالية لا تتسع قدرة الآلة الحاسبة على حصر اصفار. الم يكمن الجدر بهذه الدولة الشريفة توفير ابسط مستلزمات الحياة الا وهو الماء. البصريون عطشى لماء حلو يبلل ريقهم بعد أن ظل هذا الحلم بعيد المنال لسنين طوال، وشكل محنة أكلت منهم أرواحهم وأعمارهم ولم تجد الحكومات حلا لها منذ النظام العراقي السابق وصولا إلى الحالي. “حق شرب مياه صالحة لم يعد ممكنا في هذه المدينة”، يقول المواطن أبو أقدس، فيما يمزج بصري آخر هو علاء الربيعي الحقيقة بالسخرية، بقوله إن “ماء الإسالة الواصل إلى المنازل يمكن أن تصدّر منه الأملاح إلى الدول الأخرى!”.

في الأخير عزيزي الكائن الزاحف في مواقع التواصل الاجتماعي، تحلم انت ليل نهار بفيزا تُخرجك من جحيم العراق، وتتمنى الحصول على حق اللجوء، ولا يظهر حُبك للعراق الا في الاشعار ارحمونا من تجارة الوطنيات ودعنا نستمتع ببعض الأغنيات، لأسطورة الموسيقى الحية………

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.