انهيار الهلال الشيعي الإيراني: ماذا بعد؟

يشير سقوط النظام السوري في ديسمبر الماضي، وضعف حزب الله في لبنان، ووفاة حسن نصرالله، إلى تآكل كبير في النفوذ الإقليمي لإيران. يشهد المشهد الإقليمي تغيّرًا تدريجيًا مع سقوط أجزاء من ما يُعرف بـ الهلال الشيعي — شبكة التحالفات والميليشيات التي زرعتها طهران بعناية لتوسيع هيمنتها الإقليمية.

مصطلح الهلال الشيعي صاغه الملك عبد الله الثاني ملك الأردن، لوصف هيمنة الجماعات ذات الأغلبية الشيعية على السياسة في أجزاء من الشرق الأوسط. وتمتد أطراف الهلال إلى مناطق فيها حضور شيعي أو سيطرة نسبية، بما في ذلك اليمن، البحرين، إيران، العراق، سوريا، لبنان، وحدود جولان.

تشكل التطورات الأخيرة في لبنان وسوريا انتكاسة كبيرة لإيران؛ فالهلال الشيعي، الذي كان يُنظر إليه كقوس نفوذ مستمر، يبدو أنه يتفكك تحت الضغوط الجيوسياسية والعسكرية المتزايدة. نحن نشهد حاليًا تحولًا جيوسياسيًا كبيرًا، حيث أصبح نفوذ طهران وميليشياتها والتحالفات الإقليمية هشًا.


النشأة

ظهر الهلال الشيعي مع حدثين سياسيين مهمين في المنطقة: تلاقي العلويين والشيعة عام 1973، ثم الثورة الإسلامية في إيران عام 1979. كما كان لتأسيس حزب الله في لبنان عام 1982 دور محوري.

شكلت حرب العراق عام 2003 لحظة مفصلية، إذ صعد الشيعة إلى السلطة السياسية، وأصبح العراق يبدو كأنه مقاطعة إضافية لإيران. وكان الربيع العربي عام 2010 مرحلة أخرى مهمة، بدءًا من تونس ثم انتشار الاحتجاجات إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا والبحرين، وأسفرت هذه الثورات عن إسقاط حكام في تونس (2011)، مصر (2011)، واليمن (2012). كما شهدت الشوارع العراقية، الجزائرية، المغربية، الأردنية، اللبنانية، الكويتية، السودانية، والعمانية احتجاجات واسعة.

ضمن هذا الهلال الشيعي يقع ما يُعرف بـ “محور المقاومة”، وهو تحالف استراتيجي للميليشيات والكيانات السياسية المدعومة من إيران في الشرق الأوسط، ويضم مجموعات متحدة في معارضتها للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي. وبالتالي، يشبه تفكك الهلال الشيعي إضعاف محور المقاومة.


العراق وسوريا: ركائز الهلال الشيعي

في العراق، أدت احتجاجات 2013 إلى إشعال الاستياء بين السنة، مما ساهم في صعود تنظيم داعش. وقد مهدت الاضطرابات الطريق لتوسع داعش في محافظات نينوى والأنبار، بينما وفّرت الحرب الأهلية السورية الأرضية والدعم اللوجستي لداعش. في المقابل، مكّنت المقاومة الشيعية وتشكيل قوات الحشد الشعبي من توسيع السيطرة الشيعية في المناطق السنية وممارسة النفوذ.

أما في سوريا، فقد دعمت روسيا وإيران النظام ضد الميليشيات المسلحة بعد 2011، مما عزز هيمنة الشيعة. وفي 2013، قال رجل الدين الإيراني المتشدد مهدي طائب في مؤتمر طلابي مؤيد للنظام: “سوريا هي المقاطعة الخامسة والثلاثون لإيران”، مؤكدًا الأهمية الاستراتيجية لسوريا لمصالح إيران الجيوسياسية.


بداية الانحدار

في العراق، يمكن اعتبار الفترة بعد 2019 بزوغ وعي مضاد للتدخل الإيراني، وظهور مقاومة لنفوذه السياسي. رفض العراقيون التدخل الإيراني وأدانوا الفساد الحكومي المستشري منذ سنوات. مثلت هذه الاحتجاجات أول حركة إصلاحية منظمة ومستدامة ضد الإدارة العراقية المدعومة من إيران، والتي واجهت قمعًا وانتهاكات حقوقية شملت الاغتيالات المستهدفة، الاختطاف، السجن، والتعذيب.

كما شكّل اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، في غارة جوية أمريكية، ضربة استراتيجية للنفوذ الإيراني. فقد كان سليماني مهندسًا رئيسيًا للهيمنة العسكرية لإيران عبر وكلائها في المنطقة. وقد أرسل اغتياله رسالة قوية ضد التوسع الإيراني.

شهدت سوريا في ديسمبر سقوط النظام السوري، وهو نقطة تحول مهمة في تفكك مشروع الهلال الشيعي. ومن اللافت أن العراق لعب دورًا نشطًا في دعم النظام السوري في وقت لم يظهر فيه حليفه الأقرب، روسيا وإيران، الدعم نفسه، مما يبرز تورط العراق العميق في ديناميات القوة الشيعية الإقليمية.


ماذا بعد؟

تواجه إيران تحديات كبيرة، إذ أصبح الحفاظ على نفوذها وشبكتها الإقليمية أكثر صعوبة. يمكن اعتبار هذا الانحدار خطوة إيجابية نحو تحرير المنطقة من قبضة طهران، وهو تحرير يحد من أهداف إيران التوسعية ويفتح فرصًا للاستقلال الإقليمي وتحسين الحكم.

لكن بالنسبة للعراق، يبدو أن مشهد التحرير على غرار سوريا غير مرجح. فالواقع العراقي معقد وفريد؛ فالبلاد لا تزال تحت سيطرة إدارة شيعية مدعومة من إيران، ونفوذ طهران الشامل على الأجهزة السياسية والاقتصادية والأمنية يجعل احتمالية تحرر مشابهة لسوريا بعيدة، على الأقل في الوقت الراهن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *