عانى العراق لسنوات عديدة من انتهاكات حقوق الإنسان، لا سيما فيما يتعلق بحقوق النساء. رغم جهود النشطاء لمعالجة النظام القانوني والدفاع عن حقوق النساء، لا تزال النساء العراقيات يواجهن العنف في جميع جوانب الحياة. وقد شكل العنف الأسري واستخدام المادة 41 من قانون العقوبات العراقي أحد أكثر الانتهاكات خطورة لحقوق النساء خلال العقدين الماضيين من الاضطرابات المدنية والتغيرات الحكومية.
العنف الأسري في العراق: جذور تاريخية
لا يُعتبر العنف الأسري مشكلة جديدة في العراق، بل ظاهرة عميقة الجذور مرتبطة بالضغوط الاجتماعية والتركيز الثقافي على السيطرة الذكورية في جميع جوانب الحياة. على مر الزمن، استمر العنف الأسري وتفاقم، خاصة في ظل الظروف البيئية الهشة وغير الآمنة التي واجهتها الأسر العراقية لعقود، مما خلق بيئة مناسبة لظهور وانتشار أشكال جديدة من العنف داخل الأسرة والمجتمع.
ثغرات في النظام القانوني
تسمح المادة 41 من قانون العقوبات العراقي للزوج أو ولي الأمر باستخدام القوة الجسدية ضد زوجته أو أطفاله إذا اعتقد أنهم خالفوه. وقد ساهم هذا القانون بشكل كبير في انتشار العنف الأسري، حيث يُستخدم لتبرير الاعتداء الجسدي على النساء. يمنح القانون الرجال الحق في استخدام العنف ضد الزوجات والأطفال طالما كان يُعتبر ضروريًا للحفاظ على الانضباط داخل الأسرة.
نتيجة لذلك، حدثت العديد من حالات الاعتداء الجسدي، والإساءة العاطفية، وسوء المعاملة. وبسبب الخجل الاجتماعي، والأعراف الثقافية، ونقص الإجراءات القانونية الفعالة، غالبًا ما تواجه النساء العراقيات ضحايا العنف الأسري عوائق كبيرة عند محاولة طلب المساعدة أو الحماية.
تشمل قوانين الأحوال الشخصية مشكلات مثل الحد الأدنى للزواج، والولاية الذكورية، وقوانين الزواج والطلاق، وتعدد الزوجات.
التحديات الثقافية والاجتماعية
إلى جانب الفساد الحكومي والثغرات القانونية، تُعقد مسألة حقوق النساء بسبب الأعراف الثقافية المتجذرة. تعتبر المعتقدات الأبوية وعدم المساواة بين الجنسين أحد أبرز التحديات لمعالجة العنف الأسري. ففي العراق، يُنظر غالبًا إلى النساء على أنهن أقل منزلة من الرجال، ويُتوقع منهن الامتثال للسلطة الذكورية في جميع مجالات الحياة. هذا الديناميك الثقافي يخلق فجوة في القوة تجعل من الصعب على النساء مواجهة أزواجهن أو آبائهن. وغالبًا ما تتعرض النساء اللواتي ينتقدن العنف الأسري للعقاب أو النبذ الاجتماعي.
نظام القضاء المعيب
يعد غياب الأدوات القانونية الفعالة لمحاسبة المعتدين تحديًا آخر لمعالجة العنف الأسري. رغم أن العنف الأسري يُجرّم قانونيًا، فإن النظام القضائي غالبًا ما يفشل في تقديم الحماية الكافية للضحايا. نادرًا ما تتمكن النساء من الحصول على أوامر تقييدية أو حماية قانونية عند طلب المساعدة من الشرطة أو المحاكم. وفي المناطق الريفية، حيث تحكم الأعراف الثقافية بأن تبقى النساء في المنزل، تكون التحديات أكبر بكثير، وتواجه النساء صعوبات في ممارسة حقوقهن الأساسية.
غالبًا ما تتعرض النساء في العراق للمضايقات والاعتداء الجنسي في أماكن العمل والأماكن العامة. ومن يقدم على الإبلاغ عن هذه الحوادث غالبًا ما يواجه الوصم والعار، وربما يتعرض لمزيد من الإساءة. ونظرًا لغياب نظام قانوني كافٍ لمعالجة التحرش والاعتداء الجنسي، فإن النساء ضحايا هذه الجرائم قلة لديهن خيارات للعدالة أو التعويض.
تصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي بعد 2019
في مقال حديث لمنظمة العفو الدولية، تم التأكيد على الحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة ضد تصاعد العنف القائم على النوع الاجتماعي. وقد أثار حادث مأساوي متمثل في قتل تيبا علي، وهي مدونة قُتلت على يد والدها خلال نزاع عائلي، هذا القلق.
وانتقدت آية مجذوب، نائبة مدير العفو الدولية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، غياب تشريعات قوية لحماية النساء من العنف القائم على النوع الاجتماعي في العراق. العنف الأسري غير مجرم بشكل فعال، ويعامل قانون العقوبات ما يسمى بـ “جرائم الشرف” بتساهل. ولا يوجد نظام فعّال للإبلاغ عن العنف الأسري أو توفير ملاجئ لحماية النساء والفتيات. يجب التحقيق في قضية تيبا علي، ومحاسبة الجاني، وفرض عقوبة تتناسب مع جسامة الجريمة.
ومنذ جائحة كوفيد-19، أعربت وكالات الأمم المتحدة في العراق عن قلقها من تزايد حالات العنف الأسري. وخلال فبراير، نظمت احتجاجات في العراق دعا خلالها النشطاء إلى سن قوانين ضد العنف الأسري وزيادة التوعية بمعدلات العنف المتزايدة التي تواجهها النساء.
الخلاصة
كانت انتهاكات حقوق النساء في العراق خلال العقد الماضي واسعة ومتنوعة، تشمل العنف الأسري، التمييز، والتحرش والاعتداء الجنسي. وقد ساهم استخدام المادة 41 من قانون العقوبات في تبرير العنف الأسري بشكل كبير، ما أدى إلى ثقافة الإفلات من العقاب للمعتدين.
لمعالجة هذه القضايا، هناك حاجة إلى استراتيجية شاملة تشمل الإصلاح القانوني، حملات التوعية العامة، وتقديم الدعم للنساء ضحايا العنف والتمييز. حتى يتم التعامل مع هذه التحديات، ستستمر النساء العراقيات في مواجهة عوائق كبيرة في حياتهن اليومية.