تعتزم الحكومة العراقية دمج قوات الحشد الشعبي (PMF) ضمن هيكل الجيش الوطني، مما يثير مخاوف جدية بشأن سيادة الدولة. وبنفوذ إيراني واضح، يهدد هذا التشريع بإنشاء قوة عسكرية موازية قد تعيق الإصلاح، وتعمّق الانقسامات الطائفية، وتعقّد العلاقات مع الحلفاء الغربيين ودول الخليج. قد يؤدي اعتماد هذا القانون إلى منح الشرعية لميليشيا تتجاوز سلطة الدولة، محدثًا تغييرًا جذريًا في المشهد السياسي العراقي ويهدد الاستقرار.
في تطور سياسي بارز خلال الشهرين الماضيين، شرعت الحكومة العراقية في خطوات لدمج الحشد الشعبي رسميًا في هيكل الجيش الوطني. يثير هذا الإجراء تساؤلات عاجلة حول سيادة الدولة، والعلاقات المدنية-العسكرية، ومستقبل المؤسسات الهشة في العراق. ففي 24 مارس 2025، عقد البرلمان العراقي جلسته الأولى لمناقشة التشريع المثير للجدل الذي يهدف إلى دمج الحشد الشعبي ضمن جهاز الدولة الأمني الرسمي، وهي خطوة محفوفة بالمخاطر. وفي اليوم نفسه، حثّ المسؤولون الأمريكيون بغداد على ضمان أن تعمل الجماعات التابعة للحشد تحت السلطة المباشرة للقائد الأعلى للقوات المسلحة العراقية، رئيس الوزراء، بدلاً من الولاء لإيران.
مرحلة محورية في السياسة العراقية بعد داعش
يمثل التشريع المقترح لحظة محورية في المسار السياسي العراقي بعد داعش، ويثير تساؤلات جدية حول سيادة الدولة ومستقبل مؤسساتها الأمنية. تم صياغة مشروع القانون تحت تأثير واضح لإيران، ويهدف إلى منح الحشد، وهو شبكة من الميليشيات المسلحة، بعض منها مُصنّف كجماعات إرهابية، السلطة القانونية الكاملة للدولة العراقية.
ماذا يعني للديمقراطية الهشة في العراق أن يتم رفع قوة تعمل بدوافع طائفية وولاءات خارجية إلى مرتبة مؤسسة وطنية؟ وكيف سيؤثر ذلك على علاقات العراق المتوترة بالفعل مع الحلفاء الغربيين ودول الخليج، الذين ينظرون إلى الحشد الشعبي باعتباره امتدادًا لـ الحرس الثوري الإيراني؟
إذا أُقرّ القانون، فقد يؤدي ذلك إلى ترسيخ سلسلة قيادة موازية ضمن القوات المسلحة العراقية، مما يجعل الإصلاح المستقبلي شبه مستحيل ويزيد الانقسام الطائفي تعمقًا. إنه يشير إلى تحول بعيد عن بناء الدولة نحو تثبيت النفوذ الفصائلي، وهو ما قد يكلف العراق استقراره طويل الأمد، ومصداقيته الدولية، واستقلاله.
جذور الأزمة: فك التهديد الحقيقي
يشكل الحشد الشعبي (Hashd al-Sha’abi) تجمعًا شبه عسكري شيعيًا متحالفًا مع إيران، تُشكّل وضعه القانوني والمؤسسي الغامض تحديًا كبيرًا لتماسك الدولة العراقية. فهو يُصوَّر أحيانًا كقوة دفاع وطنية، وأحيانًا أخرى يُنتقد بوصفه أداة نفوذ أجنبي. يحتل الحشد مساحة بين الشرعية والفوضى، ويُعتبره البعض منظمة إرهابية بسبب عملياته الغامضة وانتماءاته الطائفية واتهاماته بانتهاكات حقوق الإنسان.
لقد عرقل الحشد باستمرار جهود العراق لتطبيع العلاقات مع القوى الغربية ودول الخليج، أو للسير في مسار مستقل عن الهيمنة الإيرانية. وقد تجلّى هذا العرقلة في الهجمات المتكررة على البعثات الدبلوماسية الأمريكية والعسكريين، وكذلك في تخريب مشاريع استثمارية بقيادة دول الخليج في محافظات وسط وجنوب العراق.
خلال العامين الماضيين، لم يكتفِ الحشد بتعزيز نفوذه السياسي، بل قوّى أيضًا شبكاته الاقتصادية، موسعًا تأثيره عبر قطاعات متعددة. هذا التلاقي بين القدرات شبه العسكرية، والانتشار الاقتصادي، والارتقاء السياسي يحوّل الحشد من قوة مساعدة في زمن الحرب إلى جهاز دولة موازٍ، يطمس تدريجيًا الخط الفاصل بين الدفاع الوطني والسيطرة الفئوية.
الحشد الشعبي اليوم: تحولات في الاستراتيجية والنفوذ
رغم اعتراف الدولة رسميًا بالحشد كجزء من مؤسساتها، فقد استغل الحشد هذا الوضع الرسمي ليس لخدمة المصالح الوطنية، بل لتعزيز قبضته على البنية السياسية والاقتصادية والأمنية للعراق. تحت غطاء الشرعية، أعاق الحشد الاستثمارات الأجنبية، خصوصًا القادمة من دول الخليج، وعمل بإفلات شبه كامل ضمن المؤسسات الحكومية، مطوّرًا شبكات المحسوبية ومؤثرًا على النتائج الانتخابية.
في مواجهة الضغوط المتزايدة من الولايات المتحدة وإسرائيل، عدّل الحشد استراتيجيته بهدوء. بدلًا من التصعيد خارجيًا، ركّز على الداخل، معزّزًا قاعدته المحلية، ومغيرًا صورته العامة. اليوم، يقدّم نفسه ليس كوكيل إيراني، بل كحارس لا غنى عنه للسكان الشيعة ضد تهديد التطرف السني. ومع ذلك، يثير هذا التغيير استفسارات مهمة: هل يخفف الحشد من سلوكه، أم يعمّق تمركزه تحت رواية أكثر قبولًا؟
ماذا يعني مشروع قانون الحشد للعراق؟
باستغلال وضعه الرسمي ككيان معترف به من الدولة، مع رواتب حكومية وميزانيات، تحوّل الحشد تدريجيًا إلى واحد من أقوى الفاعلين السياسيين والعسكريين في العراق. بعيدًا عن كونه مكوّنًا محايدًا للدفاع الوطني، استثمر الحشد شرعيته المؤسسية لعرقلة أي مبادرة سياسية أو اقتصادية قد تقلّل نفوذ إيران، ما جعله بمثابة حكم لمجريات السياسة الخارجية العراقية وتوجهاتها الإقليمية.
يعمّق مشروع قانون السلطة هذا المسار. إذا أُقرّ، فإنه يمنح الحشد و238,000 عنصرًا تقديريًا السلطة القانونية والهيكلية للعمل كقوة عسكرية موازية، مستقلة، سياسية بعمق، وموالية لقيادتها بدلًا من الدولة. ويكرّس ضمن قطاع الأمن العراقي كيانًا شبيهًا بالحرس الثوري الإيراني، ليس كقوة طارئة أنشئت خلال حرب داعش، بل كمؤسسة شبه وزارية دائمة، محمية من الإصلاح ومصونة من الرقابة.
العواقب
إذا أُقرّ هذا التشريع، فلن يشهد العراق فقط شرعنة ميليشيا مثيرة للجدل، بل تفكيك الدولة تدريجيًا من الداخل. إدماج قوة إيديولوجية موالية لإيران ضمن بنية الأمن العراقي يعرض الجمهورية للتحول إلى دولة عسكرية، حيث الولاء العسكري لا يكون للشعب أو الدستور، بل للقادة المرتبطين بالخارج والأجندات السياسية الغامضة. هذا ليس مجرد خطأ سياسي، بل مقامرة تاريخية على سيادة العراق، قد تثير نزاعًا مدنيًا مستقبليًا، وتشل الإصلاح، وتقسم الشرعية الهشة للدولة بشكل دائم.
إذا كان هذا هو التعريف الجديد للوحدة الوطنية، فقد يستيقظ العراق قريبًا ليجد جمهوريته قد استُبدلت بدولة ظلّية، عسكرية، طائفية، وخاضعة لقوى خارج حدوده.