العراق في فقاعة المرجعية الدينية

بينما كان فولتير على فراش الموت حضر اليه رجل دين كهنوتي يطالبه بالاعتراف ليحقق له الغفران – ومن المعلوم ان فولتير قضى عمره في فضح الدجل الكهنوتي وتعرية واستغلال الكهان والسدنة للناس بكل طبقاتهم- لم يكن فولتير ينكر وجود الله وإنما كان ينكر حق الكهنوتي في النيابة عن الله في الأرض، قال له رجل الدين أتيتك من عند الله، طبعا كان من المتوقع من فولتير في حالة الضعف هذه ان يسلم لرجل الدين الكهنوتي بالحق الإلهي ولكنه لم يخضع للإرهاب الفكري الكهنوتي فكان رد فولتير اين اوراق اعتمادك؟، هذا السؤال البريء هو ابلغ جواب على الادعاءات الدينية الحوزوية سواء كانت سستانية او صدرية او حكيمية ….الخ. فلا أحد يجهل ان هذه الطواغيت والأصنام التي استعبدت الشعب العراقي بكل وسائل الاستبداد والإرهاب الفكري والجسدي والاجتماعي والنفسي وبصور وأنماط شتى، كل هذه الالسنة الخرساء اللثغاء والعقول الجرداء التي فرختها الحوزة في النجف وقم وباضتها الأفكار العفنة على مر الدهور والعصور لفكرة الاثنى عشر امام غاب آخرهم عن المشهد ولم يلعب دوره على مسرح الأحداث (ومن هنا تبدأ قصة كهنوت الألف عام) لسبب بسيط وهو ان كتاب السيناريو الرواد استفقدوا الحلقة الاخيرة من السلسلة التي لم تكن أصلا موجودة بعد وفاة الإمام الحادي عشر (الحسن العسكري، سنة 260 هجرية) الذي كان لا يولد له وليس له ذرية لا ولد ولا بنت وهذا أمر لم يكن يحتاج الى مصادر توثيق اذ ان مثل هذه الامور لا تخفى على أحد فهي من احداث الواقع الاجتماعي لهذا الإمام المشهور فكيف وقد وثقة المراجع والكتب الاثنى عشرية ذلك.

في ظل هذه الأزمة يطفو على السطح احد السيناريوهات القديمة وهي نظرية غيبة الإمام التي كانت تلجأ اليها الخلايا الاثنى عشرية للخروج من الأزمات والدخول في متاهات لا آخر لها لم يكن هذا مهم لكن المهم ان يبقى ينبوع الأموال يتدفق ريعه ليملأ  الجيوب ويتخم البطون ويكمم الاصوات الحره. المصدر الوحيد الذي تدور حوله هذه الأسطورة العقائدية حفيد أحد نواب الامام الغائب من احدى بناته ويعرف بأبن برينة وهو ابن ام كلثوم بنت وكيل المهدي محمد بن سعيد بن عثمان العمري حيث ان شيخ الطائفة الطوسي وجد كتاب ابن برينة – كما يدعي- واخذ ينقل عنه سيناريو هذا الفلم حيث يختفي المولود الصغير للحسن العسكري ويبدأ الخط الاول من اصحاب العسكري بتوزيع الأدوار وتقاسم كعكة ميلاد المهدي من اموال طائلة كانت في خزائن العسكري ومن الاموال المخصصة من ملايين الشيعة حول العالم التي كانت تسلم الى خزائن العسكري فبدأ النائب الأول باستلامها والاستحواذ عليها لمدة عشرين سنة وبعد شعوره بقرب أجله نقل النيابة بطريقة التوريث الكسروية الى ابنه واستمر الابن نائب للغائب لعشرين سنة اخرى وبعد مرضه وحيث انه لم يكن له ولد ذكر ينقل اليه النيابة اوصى بها الى احد اصحاب الخط الاول من أصحاب الإمام العسكري وهو الحسين بن روح النوبختي وهو أحد الشركاء في المؤسسة المهدوية ولكن لسوء ادارته وطمعه في الاستحواذ على الأموال والواردات بوكالة حصرية ادى ذلك الى حدوث اول انشقاق في قطع المائدة المستديرة لاعضاء المؤسسة ولرواد السيناريو النيابة فانقطعت المسبحة وانفرط خرزها واتسع الخرق على الراقع وسقط القناع عندما أعلن محمد بن علي الشلغوماني وكالته عن المهدي وأنه باب من ابوابه فكانت منهجية التعامل معه باتهامه بلالحاد ثم اخراج تواقيع (رسائل المهدي الى وكلائه وكانوا يدعون أنهم يجدونها اما معلقة على شجرة او مرمية في الماء أو يأتي بها رجل مجهول) كما حصل ذلك ايضا مع عضو آخر من اصحاب المائدة المستديرة للعسكري وهو محمد بن نصير النميري فكالوا له نفس التهم وأخرجوا له تواقيع من المهدي وسربوا معلومات عنهم الى الخلافة العباسية فتم صلبهم وتصفيتهم لكن الادهى من ذلك ان النوبختي قد اتهم احد اهل البيت وهو شقيق الإمام الحسن العسكري والمعروف بجعفر بن علي الهادي الاخ الاصغر للعسكري وتسمية الاثنى عشرية جعفر الكاذب تميزا له عن جعفر الصادق لأنه وحسب المذهب الامامي المفروض ان يكون المرشح لوراثة اخيه العسكري حيث ان جعفر كان له تسعة بنين وكان يسمى بأبو البنين وأنه الاخ الوحيد للعسكري الذي لا ولد له. قام جعفر بإحضار الشهود والقضاة ليشهدوا على نساء وجواري العسكري انه ليس له ولد ولا احدى نساءه حامل حسب ماذكر الطوسي و نعمة الله الجزائري ولكن دوائر اللوبي الاثنى عشرية مارست ضده حملة شعواء فاتهموه بترك الصلاة وشرب الخمر وممارسة السحر والشعوذة وأنه جاهل لا علم له بالأحكام الشرعية كل ذلك بسبب ما حصل من التنازع بينه وبين أصحاب العسكري من أعضاء المائدة المستديرة الذين ارادوا تفويت الفرصة بقطع الطريق على جعفر العسكري فأختلقوا سيناريو الابن الغائب فكانت هذه هي المنهجية الجديدة للخط الاثنى عشري والتي سوف تلقي بظلالها على الف عام من التامر والقتل والتصفية والتجهيل والتكفير والتضليل لكل من تسول له نفسه التذوق من كعكة ميلاد الغائب. يقول احد المنشقين من أصحاب العسكري ان الخط الاول الذي كان نائب ووكيل للنوبختي وصاحب الكتب المعتمدة عن الاثنى عشرية والتي لم يكن في ذلك الوقت بيت اثنى عشري يخلو من كتاب له وهو الشلغوماني الذي تقدم ذكره يقول ما دخلنا مع ابو القاسم النوبختي في هذا الأمر (النيابة عن الغائب) إلا ونحن نعلم فيما دخلنا فيه كنا نتهارش على هذا الامر كما تتهارش الكلاب على الجيف (الطوسي كتاب الغيبة، صفحة 241).

 عندما اتسعت هوة دائرة المدعين للنيابة عن الغائب وكان أصحاب المائدة المستديرة للعسكري واللوبي المهدوي قد توفوا جميعا ولم يبقى إلا النائب الرابع علي السمري ولم يكن له اولاد فقام الأخير بحركة كش ملك بتفويت الفرصة على الجميع فأعلن ان الإمام الغائب قد غاب غيبته الكبرى ولن يظهر ابداً . وبعد ان مات جرى تعديل في السيناريو إلى أن الغائب سوف يظهر قبل يوم القيامة وفي سيناريو آخر يظهر عن ظهور الفساد وفي سيناريو آخر يظهر عندما يقرر هو ذلك. وللخروج من ظاهرة التهارش على النيابة بين اللاعبين الكبار ولتوزيع قطع كعكة غيبة الإمام على جميع الفقهاء المأمونين هذا هو السيناريو الأخير الذي استقرت عليه المؤسسة الاثنى عشرية كما يقول الشيخ المفيد في كتاب المقنعة صفحة 252 “فإذا عدم السفراء بين الإمام ورعيته وجب حملها (الاموال) الى الفقهاء المأمونين من اهل ولايته”. “

ومن هذه المرحلة بدأت أذرع البعبع الكهنوتي بالنمو والتكاثر لكسر الارادات وقهر الحريات وقطع الألسن الحرة والارواح العادلة تحت سياط جلادي رجال الدين وفي ظلال عباءة نيابة لاهوتية ما انزل الله بها من سلطان افترتها أفئدة آثمة وأفواه البهتان وعقول متهافتة يقول المفيد في كتاب المقنعة ( صفحة 810 وصفحة 812) فأما اقامة الحدود فهو الى سلطان الاسلام المنصب من قبل الله سبحانه وتعالى وهم أئمة الهدى من ال محمد ومن نصبوه لذلك من الامراء والحكام وقد فوضوا النظر فيه الى الفقهاء، وبعد 500 سنة ارتقى محققهم على الكركي على خشبة المسرح.        

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.