لقد أظهرت العقدان الماضيان تحولات في الخصائص الاجتماعية والسياسية، انعكست في التغيرات الحكومية في العراق. قبل حرب 2003، كانت المجموعة السنية السابقة، وبالأخص عائلة الدكتاتور، تهيمن على المشهد السياسي. لكن بعد التغيير الدراماتيكي في 2003، شهد العراقيون صعود السلطات الدينية التي شاركت في الأنشطة السياسية، وبدأت ما يُعرف بالأجندة “اللاهوتية-السياسية”.
لقد استغل هذا الشكل من الشخصيات اللاهوتية-السياسية سياسات الدين وأصبح أداة قوية لتحريك خطاب قمعي جذب عشرات إلى مئات الآلاف من الشباب الذين كانوا يجهلون الأجندة وتم التلاعب بهم عبر “الحاجة للاستجابة للدعوة الدينية”. هذه الشخصية التي تحرف الدين، مدمنة على التعصب العقائدي، وقادرة على النزول إلى الأمور الدنيوية والمادية على عكس ما تعظ به. طبيعة هذه الشخصيات تتميز بالاستعداد للقتال من أجل السلطة بكل الوسائل، حتى لو تطلب الأمر الانخراط في أعمال عنف، ظلم، إساءة وعدوان، وكلها مبررة بزعم القداسة الدينية.
رغم معرفتهم المحدودة بالدين، يجد هؤلاء الأشخاص راحتهم في إصدار الفتاوى في أي مجال، حتى وإن لم يكن ضمن دائرة الدين. ولا يترددون في تقديم تفسيرات علمية أو نظريات سياسية، معتقدين أن آرائهم تتفوق على المعرفة العلمانية، متناسين الحاجة للعلم الأساسي لفهم المفاهيم، وأن كل تخصص يحتاج لإطار نظري مختلف. فهم لا يدركون أن معرفتهم بالدين (إن كانت حقيقية، وهو محل تساؤل) لا تؤهلهم لتعميم مفاهيمهم على مجالات أخرى.
نقطة خطيرة مهمة ترافق هذه الشخصيات اللاهوتية-السياسية هي القداسة والسمو والهالة التي يحيطون بها أنفسهم. إذ يصبح بناء حاجز بينهم (كأعلى مرتبة) وبين الآخرين (الأدنى) ضرورياً للحفاظ على مكانتهم وسمعتهم. يميلون لتجنب الاختلاط مع العامة، ويبتعدون عن الإعلام للحفاظ على صورة مبالغ فيها عن تعاليهم وأهميتهم الذاتية، مما يخلق شخصية لا تعكس بالضرورة الواقع.
لا يمكن إنكار تدخل السلطات الدينية في الدائرة السياسية في العراق، ومن الواضح أن لهذا تأثيراً كبيراً على تدهور الأوضاع الحالية. ورغم الفضائح العديدة التي كشفت الفساد المالي والحكومي، والتي تورطت فيها معظم الشخصيات اللاهوتية-السياسية، إلا أنهم واصلوا توجيه الجماهير (خصوصاً الجماعة الشيعية) لانتخاب نفس الوجوه أو على الأقل نفس الأحزاب. التلاعب بالجمهور هو لعبتهم المفضلة ويبررونه دائماً بأن جماعتهم يجب أن تختار “دولة الإيمان”، القائد الديني، طاعةً لله، بغض النظر عن العواقب السلبية التي قد تترتب على الشعب نتيجة الانتخابات.