قال الفارابي مرة إن استخدام الدين هو تجارة مربحة في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل. للأسف، الحكومة العراقية تدرك أنه إذا أرادت السيطرة على المجتمع لضمان حكمها المستمر ومنع الفكر الثوري، فإنها بحاجة إلى تغليف كل كذب بغلاف ديني ودعاية، وهذا ما يحدث اليوم في العراق. أجندة الحكومة الفاسدة هي محاربة العلم والحقيقة، مع الدفع نحو التخلف والجهل، الذي انتشر في الثقافة العراقية وكان دائمًا وسيلة لإطعام الطغيان. السيطرة على عقول الناس وغسل أدمغتهم باستخدام خطابهم الذي تديره أجندتهم، واستغلال أو إساءة استخدام سلطة المرجعيات الدينية، كانت الاستراتيجيات التي استخدمتها الأحزاب الفاسدة والميليشيات الإجرامية على مدى العقدين الماضيين.
الكذبة التي يعيشها الشعب العراقي هي أن المرجعيات الدينية بعيدة عن التدخل في الشؤون السياسية والتأثير في مجرى الأحداث السياسية، لكن الحقائق أثبتت العكس، إذ أن السلطات الدينية هي العمود الفقري الأساسي المؤثر في الجهاز السياسي في العراق. وأصبح واضحًا أن من يعين الحكومة هم الشخصيات الدينية البارزة، وهم أيضًا من يستطيعون تغيير الحكومة. السلطة دينية القيادة، وهذا ما حدث مع الشخصيات الفاسدة مثل المالكي، العبادي، عادل عبد المهدي… وغيرهم. لكن الشعب يظل صامتًا بسبب جهله الموجه والخوف المزروع داخل ثقافته، خوفًا من معارضة الدين والنوايا الضمنية لمعارضة الله. إذا تحدث أي شخص عن هذه “القضية”، سيصبح غريبًا، مرفوضًا من السلطة الدينية، وأي معارض للحكومة الدينية سيكون كافرًا، خارجيًا عن الطائفة الشيعية. المواطن العراقي هو من منح السلطة والقداسة للشخصيات الدينية، وفي النهاية أصبح المواطنون يخافون من سلطاتهم، مثل الخوف من السيستاني أكثر من خوفهم من الله الذي يعبدونه.
عندما دخل رجال الدين إلى دائرة السياسة، لم ينسوا أنهم رجال دين متمسكين بذلك، ومن أخطر جوانب الدولة الدينية هو الآلية التي تحكم بها تلك الشخصيات البلاد. القضية الأولى للحكومة الإسلامية هي أنها تتحدث باسم الله، مما يمنحهم سلطة إضافية. عادة لا يتحدث السياسيون باسم الله، وهذا يُحدث فرقًا، ويمنح وكالة أعلى لأولئك السلطات الدينية. المشكلة الثانية هي أنه إذا أصبح السياسي الديني صانع قرار، فإنه سيستبعد ويُميز ضد الآخر. الطريقة التي تعمل بها الحكومة في العراق هي باسم الدين وليس باسم السياسة. يستخدم السياسي الديني الدين ويستغله لمصلحته، وسيكون من الأسهل بكثير التأثير على عقول الجهال. هؤلاء السلطات يضللون ويسيطرون من خلال دعم الطائفية، مؤسسين جهازًا تقسيميًا للحكم، وهو أقصر وأسرع وسيلة لتعبئة وتحريك الجماهير، وكل شيء يصبح لصالحه، لمصلحته.
تعاني تلك السلطات السياسية الدينية من متلازمة التفوق على باقي أفراد المجتمع، لأنهم يعتبرون أنفسهم متفوقين، نخبة، أوهامهم بالسيادة، في حين يستفيدون من عوامل السلطة المادية والمال. الوظيفة الأساسية لتلك الشخصيات هي خداع المواطنين باسم الله، والقدرة على فرض الطاعة. على سبيل المثال، عندما سُئل خضير الخزاعي عن سبب تغيير المناهج الدراسية، كانت إجابته أنه تولى مسؤولية إصلاح العقل العراقي. السياسي الديني لا يقبل الآخر إلا إذا كان ذلك في مصلحته. يرفض التعايش إذا لم ينتم الآخر إلى جمهوره المتعصب.
من خلال توظيف الدين، أصبحت السلطات الدينية في العراق تهديدًا للأمة؛ بدلاً من تشكيل دولة تخدم حقوق الإنسان، تخدم الحكومة الفاسدة مصالحها الخاصة، وترفض تنوع المعتقدات، وتحاكم أي أصوات مختلفة. من أجل أن يكون للعراق مستقبل أفضل، يصبح الإصلاح الأول هو فصل الدين عن الدولة.