في الأول من أكتوبر 2019، انفجر العراق. لم تكن ثورة تشرين مجرد اندفاع عفوي، بل كانت تتويجًا لعقود من الغضب. خرج المواطنون إلى الشوارع، متعبين من الفساد والبطالة والاستغلال الطائفي والتدخلات الأجنبية، مطالبين بالمحاسبة والإصلاح والكرامة. تجاوزت الثورة الخطوط الطائفية، وجمعت الشباب من جميع الخلفيات في دعوة موحدة ضد النخبة الحاكمة.
كانت استجابة الحكومة وحشية. استخدمت الأجهزة الأمنية، غالبًا تحت إشراف الميليشيات، الرصاص الحي والغاز المسيل للدموع والمدافع المائية بشكل عشوائي ضد المتظاهرين السلميين. قُتل أكثر من 600 شخص خلال الاحتجاجات، وأُصيب آلاف آخرون، واعتُقل أكثر من 20,000 شخص، كثيرون منهم دون تهم. لا يزال مئات آخرون مفقودين حتى اليوم، دون معرفة مصيرهم. أفادت المستشفيات بإصابة المئات بإصابات حرجة، وتعرض المحتجزون للتعذيب والضرب، ما كشف مدى استعداد الدولة والميليشيات الحليفة لقمع أي معارضة.
استغلت الميليشيات المدعومة من إيران الثورة لتعزيز نفوذها، حيث عملت كأدوات للترهيب والمعرقلة، وأرعبت المتظاهرين، وسيطرت على الأحياء الرئيسة، وتسللت إلى المظاهرات لتبرير القمع العنيف. سيطرتهم على السياسة المحلية وإنفاذ القانون والاستخبارات ضمنت احتواء الثورة، بينما حافظت النخبة الحاكمة على قبضتها.
كان الفساد سببًا رئيسيًا لغضب الشعب، حيث حوّل السياسيون الأموال العامة، وأساءوا استخدام إيرادات النفط، وأنشأوا شبكات محسوبية معقدة. تدهورت الخدمات العامة، وتأخرت الرواتب، وتحمل المواطنون وطأة سوء الإدارة الاقتصادية. أبرزت احتجاجات تشرين هذه الانتهاكات، موصِلة النخبة السياسية مباشرة بمعاناة العراقيين العاديين.
واجه الصحفيون والنشطاء والعاملون في المجتمع المدني مضايقات ممنهجة، وأصبح الاعتقال التعسفي والترهيب والرقابة أمرًا شائعًا. تم تقييد التغطية الإعلامية، واضطر العديد من الصحفيين إلى ممارسة الرقابة الذاتية لتجنب السجن أو الأسوأ. أظهرت آليات المراقبة والسيطرة الحكومية هشاشة حرية التعبير في العراق.
أتت ثورة تشرين بثمن باهظ. قتل أكثر من 600 شخص، وأصيب آلاف، واعتُقل عشرات الآلاف. نعى الأهالي أحبائهم بينما رفضت الدولة تحمل المسؤولية. سعت الاستجابة العنيفة إلى زرع الخوف، لكنها، وبشكل متناقض، عززت تصميم العديد من المحتجين وكشفت عن وحشية النظام.
فشلت المؤسسات القضائية وإنفاذ القانون إلى حد كبير في حماية المواطنين أو محاكمة الانتهاكات. غالبًا ما تم تجاهل التحقيقات في حالات القتل والتعذيب أو عرقلتها. تمتع أفراد الأجهزة الأمنية والميليشيات بالإفلات شبه الكامل من العقاب، مما سمح بحدوث المزيد من الانتهاكات. كشفت ثورة تشرين عن هذا الفشل النظامي، مؤكدًة أن البنية نفسها تكرس الفساد والقمع.
تلاعب النفوذ الإيراني بمسار الثورة، من خلال السيطرة على الميليشيات، واستغلال الوكلاء السياسيين، وتمويل السياسيين الموالين، لضمان احتواء الثورة وتجزئتها. كشفت مواجهة الثورة للهيمنة الخارجية كل من تدخل طهران وفشل المؤسسات العراقية في الدفاع عن السيادة.
أعادت ثورة تشرين تشكيل وعي المجتمع العراقي، وألهمت جيلًا للتشكيك في الطائفية والمحسوبية والفساد. تغلب التضامن الاجتماعي مؤقتًا على الانقسامات الراسخة، حيث أدرك الشباب قوة العمل الجماعي. ومع ذلك، دون تغيير هيكلي، فإن هذا الوعي معرض للتلاشي، ليصبح الذاكرة هي الإرث الرئيسي بدلاً من الإصلاح الفعلي. بعد خمس سنوات من ثورة تشرين، لا يزال العراق يعيش تحت ظلّ نفس الأشباح التي دفعت الناس إلى الشوارع. كشفت الثورة الفساد لكنها لم تقتلع جذوره. الطبقة السياسية القديمة ما زالت تحكم وفق المعادلات نفسها، والفساد صار جزءًا من النظام، والميليشيات ما زالت أقوى من مؤسسات الدولة. بهذا المعنى، لم تنجح الثورة — على الأقل، ليس بعد.
لكن النجاح لا يُقاس فقط بالنتائج السياسية الفورية. حطّمت تشرين أوهام الشرعية بعد 2003، وأظهرت للعراقيين حجم اختطاف الدولة، وسيطرة الفصائل المسلحة، وفراغ الخطاب الطائفي. منحت الشباب هوية سياسية مستقلة عن الطائفية والتدخلات الأجنبية — ربما يكون هذا الانتصار الأخلاقي الأبرز. ومع ذلك، لم يتحول هذا الوعي إلى تغيير مؤسسي بعد. دماء المحتجين لم تُثمر إصلاحًا، بل شعارات وجدران رسم ووعود كاذبة. أعادت القوى القديمة ترتيب نفسها، مع الاحتفاظ بالبنية نفسها للنهب. كسرت تشرين حاجز الخوف، لكن تفكيك الآلة التي تفرض الخوف يتطلب تنظيمًا واستراتيجية ومؤسسات. حتى ذلك الحين، تبقى الثورة معلقة — انتصار أخلاقي محاصر داخل واقع مستمر من القمع والفساد.
