أنذر ظهور داعش في العراق بظهور جماعة مسلحة أخرى التي أصبحت متورطة في الشؤون السياسية والاقتصادية للعراق. بعد ان وافقت الحكومة العراقية على فتوى المرجعية قامت بالدعوة الى التعبئة المليشياوية مليشيات لأن الحكومة لا تستطيع الاعتماد على أجهزتها الأمنية الضعيفة والفاسدة لمحاربة داعش أدى الى ظهور بما يعرف اليوم بالحشد الشعبي. الحشد الشعبي منظمة جامعة مكونة من خمسين ميليشيا ذات أيديولوجيات متباينة وقيادة غير متماسكة. تختلف تقديرات عدد مقاتلي الحشد الشعبي، لكن حجمهم الهائل مثير للإعجاب. في بداية معركة تحرير الأراضي العراقية من داعش، قدر أن هناك ما يصل إلى 250000 من مقاتلي الحشد الشعبي. في البداية تم الإشادة بقوات الحشد الشعبي لبسالتها في طرد داعش من الأراضي العراقية. ومع ذلك، فإن العديد من فصائل الحشد الشعبي، لا سيما تلك المرتبطة بإيران، قد شوهت سمعة التنظيم من خلال الممارسات الفاسدة واستخدام العنف ضد العراقيين، وهو الآن معروف بشكل أفضل بفساده وقمعه. في ظل الجمود السياسي الحالي في العراق، يعرقل تحالف فتح وميليشيات الحشد الشعبي المتحالفة معه أي محاولات لتغيير النظام السياسي خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تعريض مصالحهم للخطر. في عام 2014، اجتاح تنظيم داعش بعض من مناطق العاق الشمالية مما أدى الى تفكك الجيش العراقي وهروب الكثير من عناصره، مما سمح لقوات داعش بالسيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي. وبمباركة المرجعية تم تشكيل قوات الحشد الشعبي لمواجهة هذا التهديد الجديد وتألفت بشكل أساسي من متطوعين شيعة. أصبح جزء من المجتمع العراقي مغرمًا بقوات الحشد الشعبي نتيجة لنجاحها ضد قوات داعش. ومع ذلك، كانت قوات الحشد الشعبي مسؤولة عن العديد من انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك انشاء السجون غير القانونية وعمليات الاختطاف والتعذيب والإعدام خارج نطاق القضاء وبشكل عشوائي. وثقت هيومن رايتس ووتش مقتل أكثر من مائة ذكر سنّي بين آذار وتموز 2014 وربطت هذه الوفيات بعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، وهي مليشيات شيعية مدعومة من إيران تعمل تحت مظلة قوات الحشد الشعبي. في عام 2014، وثقت منظمة العفو الدولية أيضًا عمليات خطف وقتل ارتكبتها الميليشيات الشيعية في كركوك وبغداد وسامراء. ومع ذلك، حافظت قوات الحشد الشعبي على شعبيتها. كشف مسح أُجري في عام 2015 أن 99٪ من سكان العراق الشيعة يؤيدون استخدام قوات الحشد الشعبي لمحاربة داعش. على الرغم من أن رئيس الوزراء العراقي آنذاك، حيدر العبادي، قال إنه “يجب أن يكون هناك فصل واضح بين الجماعات السياسية والمسلحة”، إلا ان ضعف الحكومة او انها كانت شريكة معهم الذي أدى الى عدم تمكن أي جهة من منع الحشد الشعبي من المشاركة في الانتخابات البرلمانية لعام 2018 بسبب سطوت وهيمنت الحشد على الشارع العراقي. اندمجت جميع الفصائل الموالية لإيران تقريبًا داخل قوات الحشد الشعبي في تحالف فتح، الذي فاز بـ 48 من مقاعد البرلمان العراقي البالغ عددها 329 مقعدًا، مما سمح له بلعب دور مهم في تشكيل الحكومة. على الرغم من كونها تابعة اسمياً لقائد القوات المسلحة، حافظت قوات الحشد الشعبي على استقلاليتها. بالإضافة إلى ذلك، مكّن عجز الحكومة العراقية عن السيطرة على قوات الحشد الشعبي من الانخراط في أنشطة اقتصادية غير مقيدة. من دون عقوبات حكومية، أقامت قوات الحشد الشعبي نقاط تفتيش عبر جزء كبير من العراق لغرض التمويل المالي وفرض السيطرة الغير قانونية على معظم أراضي العراق، على سبيل المثال. تختلف الإيرادات المتأتية من نقاط التفتيش هذه بشكل كبير بناءً على الموقع، لكن ورد أن قوات الحشد الشعبي تتلقى ما يقرب من 300 ألف دولار يوميًا من نقاط التفتيش في مدينة جلولاء العراقية وحدها. جمعت لواء بدر وعصائب أهل الحق ما بين 100 دولار و500 دولار لكل شاحنة، ولتحسين الإيرادات، أنشأ الحشد الشعبي نظامًا عند نقطة تفتيش واحدة يسمح للسيارات بتجاوز خط الشاحنات مقابل 20 دولارًا إضافيًا. وبحسب بعض التقارير، كانت الرحلة بين بغداد وشمال العراق تستغرق خمس ساعات، لكنها تستغرق الآن سبعة أيام ويمكن للشاحنات أن تتراكم لأميال بسبب عدد نقاط التفتيش. بالإضافة إلى ذلك، سيطرت قوات الحشد الشعبي بشكل غير قانوني على المعابر الحدودية. في عام 2021، صرح وزير المالية العراقي أن الحكومة يجب أن تكسب 7 مليارات دولار سنويًا من الجمارك، لكن بسبب شبكة من الميليشيات الفاسدة والتجار والأحزاب السياسية، لا تتلقى وزارة المالية سوى 10 إلى 12 في المائة من هذا المبلغ. بالإضافة إلى ذلك، سيطرت قوات الحشد الشعبي على 72 حقلاً نفطياً في منطقة جنوب الموصل كانت سابقاً تحت سيطرة داعش. وهذا بالإضافة الى الاتاوات التي يتم الحصول عليها من أصحاب المحلات والمطاعم طُلب حيث يتم دفع ما يصل إلى 3000 دولار شهريًا “كأموال حماية” من قبل فصائل الحشد الشعبي. إذا أهمل المالكون الدفع، فإن أعمالهم تتعرض لخطر الهدم. وصل استياء العراقيين إلى نقطة الغليان في عام 2019، لا سيما في المناطق ذات الأغلبية الشيعية حيث تحظى قوات الحشد الشعبي بشعبية، نتيجة عدم الكفاءة السياسية للحكومة وانتشار الفساد. لم يستهدف المتظاهرون المباني الحكومية فحسب، بل استهدفوا أيضًا مكاتب الحشد الشعبي، مما يشير إلى أن الحشد هو المسؤول عن تدهور الظروف المعيشية. تحول العديد من العراقيين من اعتبار الحشد الشعبي حاميًا للبلاد أو جزءًا منه إلى قوة قمعية. وأدت التظاهرات إلى تشكيل خلية أزمة مؤلفة من الحرس الثوري الإيراني وعدد من المليشيات العراقية من الحشد الشعبي. وبحسب الإحصاءات الرسمية فقد قتل 165 متظاهرا وجرح 6100 متظاهرا. تشير تقديرات أخرى إلى أن عدد القتلى يبلغ 400. على الرغم من وجود مؤشرات واضحة على استهداف بعض المتظاهرين البارزين أو النقاد الصريحين وكانوا معرضين لخطر الموت، فشلت قوات الأمن العراقية في منع الهجمات على المتظاهرين. أظهرت عناصر من قوات الحشد الشعبي عزمهم على استخدام العنف للحفاظ على الوضع السياسي لقوات الحشد الشعبي والفوائد الاقتصادية الناتجة عنه. ومع ذلك، ونتيجة لاستمرار تهم الفساد والكسب غير المشروع وتصاعد العنف ضد المتظاهرين في عام 2019 وما بعده، فقد الحشد الشعبي حظوة لدى الجمهور العراقي، وفاز تحالف فتح بـ 17 مقعدًا فقط في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في تشرين الأول (أكتوبر) 2021. عام 2022 ظهرت بوادر الخلاف بين القوى الشيعة بحجة مكافحة الفساد فقد عارض تحالف فتح وقوات الحشد الشعبي بشدة أجندة الإصلاح التي اقترحها مقتدى الصدر خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى تهميش قوات الحشد الشعبي أو حتى انقراضها. والمضحك بالأمر هو ان جميع الأطراف الشيعية هي شريكة بالفساد والدمار بالعراق، والغرب من ذلك هو ان الذي يدعو الى الإصلاح هو المهرج الكبير مقتدى الصدر الذي كان ومازال احسد رؤوس الفساد او بالأحرى المسؤول الأول عن الفساد في العراق والذي خرجت من تحت عباءته السوداء معظم هذه المليشيات. ولكن مقتدى أراد سحب البساط من تحت فتح واعوانها لغرض فرض سيطرته المطلقة على البلاد. هذا ما جعل تحالف فتح وقوات الحشد الشعبي والقوى الشيعية الأخرى الخاسرة بالانتخابات الخوف من القضاء على نفوذهم السياسي والاقتصادية إذا تقلص دورهم في الحكومة. على سبيل المثال، سيتم استبعاد تحالف فتح من مخطط “الدرجات الخاصة”، الذي يسمح للأحزاب السياسية بتقسيم تعيين موظفي الخدمة المدنية مما يسمح لهم بالسيطرة على جميع العقود التجارية المبرمة مع الحكومة العراقية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تخفيض ميزانية قوات الحشد الشعبي؛ والأسوأ من ذلك، أن المجموعة قد تفقد وضعها الخاص وتندمج في كشوف المرتبات الحكومية. إن أي مبادرة الإصلاح المزعومة التي يقودها الصدر سوف تجعل من الصدر ان يفرض سيطرته من خلال نشر اذرعه المسمومة للسيطرة على الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة المربحة لقوات الحشد الشعبي. في حين أن بعض المراقبين الخارجيين قد يقبلون أجندة الإصلاح الصدرية المزعومة في ظاهرها، ولكن قوات الحشد الشعبي وقادتها ورعاتها (في بغداد وطهران على حد سواء) سوف ينظرون إليها بشكل أكثر تشاؤمًا وخوفا على أنها تصرفات مستهدفة لخصم سابق عازم على تصفية الحسابات السياسية والاستيلاء على السلطة. ان الاختلاف السياسي الشيعي -الشيعي أدى الى بلورة رسالة مفادها أن قوات الحشد الشعبي، ولا سيما الميليشيات المتحالفة مع إيران، تحولت من قوة وطنية مزعومة إلى مجموعة مليشيات ذات نفوذ في كل من المجال العسكري والسياسي والاقتصادي في العراق، دون أن تظهر سوى القليل من الدلالة من قوتها التي بدأت تتضاءل على الرغم من عدم شعبيتها. ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى استخدامه للقوة المفرطة ضد الشعب العراقي مع الإفلات من العقاب للحفاظ على هيمنته وتسكين منتقديه بالإضافة الى الفساد المستشري في جميع أجهزة الدولة. لقد صرح قادت تحالف فتح والحشد مرارًا وتكرارًا أن استقلالية قوات الحشد الشعبي لم تُطعن ولن تمس وان هذه الديناميكية تشير إلى أن قوات الحشد الشعبي قد تلجأ بشكل متزايد إلى الأساليب القمعية مع ضعف نفوذها السياسي من أجل الحفاظ على سلطتها ونفوذها.