شهد العراق اعنف موجة في تاريخه لتصفية واستهداف الكفاءات العراقية ذات الطابع المدني العلماني في عراق شوهت حضارته همجية الميليشات والاحزاب الطائفية الشيعية والسنية التي أحرقت الأخضر واليابس. احلام الشعب العراقي اصبحت سرابا حينما رسمت امالاً خضراء بسقوط دكتاتورية البعث. فمنذ انتهاء الحرب تم تصفية المئات من الكفاءات والقدرات العلمية من قِبل جهات مجهولة، إضافة إلى مغادرة الآلاف إلى دول العالم المختلفة حفاظًا على حياتهم وهو ما أثر سلبا على حركة الحياة العلمية في العراق وأوقف عجلة التعلم فيه. الذي يمر به العراق اليوم هو محاكاة للتجربة الإيرانية الإسلامية المتطرفة، فمنذ قدوم الملعون خميني الى السلطة قام بقتل وتعذيب العديد من الكفاءات في ايران بغية تصفية الحسابات ونشر الرعب في صفوف الشعب الايراني وايضا القضاء على اي صوت يعلو فوق ولاية الفقية المزعومة. فأطلق المقبور خميني العنان لإنشاء المليشيات الدموية للقضاء على الفكر الحر. اليوم نرى نفس التجربة تتكرر في العراق فاليد العليا هي للمرجعيات الدينية المتخلفة والأحزاب الطائفية والمليشيات الحاقدة التي تفننت بقتل وتعذيب وخطف الكفاءات والناشطين المدنيين والسياسيين بغية نشر الجهل والفساد والظلم في البلاد، ونرى الاحزاب الحاقدة والرجال الدين المعممين الفاسدين هم من يدعمون ويؤيدون هذه الافعال.
أن تصفية واغتيال الكفاءات إضافة إلى تهجيرهم من العراق لها أهداف ودوافع عدة منها سياسية او قومية او مادية او عشائرية او طائفية. ففي الايام التي مضت استفاق الشعب العراقي على جريمة اغتيال هشام الهاشمي الخبير في شؤون الأمن والجماعات المسلح التي تمت على أيدي المليشيات المدعومة من إيران وتشير التقارير ان من احد اسباب قتل الهاشمي كانت هو انتقاده الدائم لنشاط المليشيات الولائية وكان يدعو الدولة الى التعامل مع المليشيات كعصابات إرهابية ووضعهم تحت المادة 4 ارهاب في القانون العراق. كان الهاشمي يحذر بشكل دائم من مخاطر سيطرة المليشيات على جميع مفاصل الدولة بالكامل. المشكلة ان القاتل معروف (المليشيات الولائية) ولكن الحكومة العراقية الفاشلة و المخترقة تريد ان تماطل وتخفي الحقائق اما خوفا من المليشيات او دعما لها.
لم تقف سلسلة الاغتيالات والتهديدات عند النشطاء السياسيين او الصحفين او كفاءات، وإنما كان للنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي نصيب منها. ان عمليات الاغتيال التي نفذت من قبل جماعات إسلامية متطرفة (أبرزها المليشيات الموالية لإيران) تحت ذريعة صد هجمات غربية كافرة كما تدعي هذه المليشيات الوقحة. ان التصفيات التي استهدفت الفنانين ونجوم الإعلام والمواقع الاجتماعية لم تكن على خلفية عداء أو مصالح شخصية بين الضحية والقتلة ولا حتى على أساس سلب الممتلكات ولكن كانت أساس فكر متطرف ومتخلف والدليل ان كرار نوشي، اختطف بعدما انتشرت على موقع “فيسبوك” مقاطع مصورة له، يبدو فيها شعره الأصفر الطويل، ووجهه الحسن، فجرى تمزيق جسده ثم قتله. المثال الآخر هو تارة فارس، لم يُسرق منها شيء خلال عملية تصفيتها، فقد بقيت سيارتها في الشارع وهواتفها وأموالها، كذلك، وايضا كان الحال مشابه للاعب كرة القدم الناشئ، محمد المطيري، فقد جرت تصفيته بواسطة سكين مزقت أمعاءه، وظل يعاني أمام عدسة الجاني. ان التخلف والفكرة المتطرف للأحزاب والمليشيات هو الذي قادهم لتصفية النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعى فهم يعتقدون أنّ العارضة تارة فارس مدعومة خارجياً من أجل تفسيخ القيم الإسلامية في المجتمع العراقي، وترسيخ مفاهيم غربية في عقول النساء المسلمات، أما كرار نوشي، فاعتبروه مثليّ، بالإضافة إلى محمد المطيري، الذي قتله متشدد بتهمة المثلية أيضاً، وهكذا فإنّهم يحاربون المختلفين والمميزين بدافع ديني متطرف. لم تكتفِ العصابات المتطرفة بترويع العراقيين عبر سلسلة الجرائم بحق المشاهير إنما ذهبت إلى استخدام صفحات إلكترونية وهمية في مواقع التواصل الاجتماعي لتهديد وتشويه صورة الإعلاميين والناشطين.
لقد أصبح العراق ساحةً تتجاذبها تيارات وحركات دينية متشددة وليس من المستبعد أو المستغرب أن تقع حوادث قتل وتصفية على أساس ديني. إن الأثر الديني المتطرف بدأ بالظهور مع ولادة “جيش المهدي” لمؤسسه زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، في مدن وسط وجنوب العراق، وامتداد أثر تنظيم القاعدة الارهابي في مناطق شماله وغربه، ثم تبعه ظهور حركات متطرفة اخرى أمثال تنظيم داعش والمليشيات الولائية والحشد الشعبي الحاقد الذين عمدوا الى الاقتصاص من الشخصيات المميزة في العراق.
ان الأمن الاجتماعي غير متوافر في العراق والبلاد تشهد أعلى معدلات الجرائم المنظمة وان ذوي المغدورين لا يقولون إنّ أبناءهم وبناتهم اغتيلوا على أساس ديني وذلك بسبب الحرج المجتمعي، بالإضافة إلى الخوف من الجماعات نفسها، وينسبونها إلى عصابات مجهولة وهو ما ترتاح له السلطات الأمنية التي لا تريد التورط مع هذه المليشيات الشيعية الولائية القذرة. من المستحيل أن تتمكن الدولة من اعتقال الجناة إذا ما توصلت إليهم لأنّ الحكومة العراقية والهيئات الأمنية ووزارة الداخلية واللجان التحقيقية وأعضاءها ينتمون إلى أحزاب متطرفة دينيا التي تمتلك بدورها المليشيات، وان هذه المليشيات في دورها تنفذ عمليات تسميها بالتطهير أو قطع رأس الأفعى.
ان من قتل الهاشمي وبقية الناشطين والكتاب والكفاءات من قبله، بعث برسالة مفادها ان صوت السلاح اقوى من اي صوت وطني عقلاني مهما ارتفع ومهما كان واضحا، وان المجرم الجاهل او المتطرف الذي يحمل كاتم صوت او بندقية او قنبلة يدوية او عبوة ناسفة هو أقوى من حملة الشهادات العليا والكتاب والشعراء والفنانين والمهندسين والأطباء والإعلاميين والناشطين، ويريد ان نكسر اقلامنا ونودع احلامنا ونهدر حرياتنا ونقبل بالمعممين والأحزاب الفاسدة قادة لنا، وهؤلاء تناسوا او يتناسوا ان من خرج منتفضا في تشرين وضحى بحياته مستعدا لإشعال الثورة ضد القتلة والفاسدين في اي وقت رفضا للوصاية التي يريد المتطرفون والجهلة وأصحاب العمائم فرضها على العراقيين.